للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاء في تنظيم العبادات فقط. أما المعاملات فهي إلى الخلق، واستدلوا لذلك بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدم المدينة ورأى الناس يؤبرون النخل -أي يلقحونها- فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: "ما أرى ذلك يغني شيئًا" هذا أو معناه، فتركوا التأبير، ففسد الثمر؛ لأن النخل إذا لم يؤبر فسد، فلما حصلت الثمار جاءوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يخبرونه، فقال: "أنتم أعلم بأمور دنياكم" (١).

قالوا: فوكَّل علم أمور الدنيا إليهم، بل جعلهم أعلم منه بهذا؛ وعلى هذا فأمور الدنيا لا يتدخل فيها الشرع. ولكن هذا فهم خاطئ، بل باطل؛ وذلك لأن أمور الدنيا إما أحكام شرعية، كالتحليل والتحريم، فهذه مرجعها إلى الشرع، وإما أمور فنية تدرك بالتجارب والتعلم، فهذه مرجعها إلى أهل الخبرة. فكم من عالم عنده علم واسع غزير في أمور الشرع لا يستطيع أن يصنع بابًا ولا إبرة، ويأتي رجل جاهل من أجهل الناس ويستطيع أن يصنع بابًا من أحسن الأبواب، وإبرة من أحسن الإبر.

ومسألة الصحابة رضي الله عنهم في التأبير مسألة فنية بلا شك، تدرك بالتجارب. والنبي عليه الصلاة والسلام كما نعلم ولد بمكة، ومكة ليست ذات نخل، ولا يعلم عن هذا شيئًا، فأهل المدينة الذين مارسوا التجارب في هذه الأمور، كانوا أعلم منه بذلك.

ولا يعارض هذا أننا نرجع إلى العرف فى أمور كثيرة؛ لأنَّ


(١) أخرجه مسلم، كتاب الفضائل، باب وجوب امتثال ما قاله شرعًا دون ما ذكره من معايش الدنيا على سبيل الرأي، رقم (٢٣٦٣).
وقوله: "ما أرى ذلك يغني شيئًا" ليس في رواية مسلم، وإنما ورد عند ابن ماجه، رقم (٢٤٧٠) بلفظ: "ما أظن. . .".

<<  <  ج: ص:  >  >>