للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ}، وقال: {تُؤْتِي} أي: تعطي، ولم يقل: تُمَلِّك؛ لأن ما يكون للعبد من الملك إنما هو من إعطاء الله تعالى إياه، وتسليطه عليه، ولهذا لا يتصرف المالك من المخلوقين فيما ملك، إلا على حسب الشريعة التي شرعها الله عزّ وجل.

وقوله: {تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ}:

الفعل تؤتي من الأفعال التي تنصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر، ومفعوله الأول: الملك، ومفعوله الثاني: مَنْ تشاء.

وكل شيء له سبب إما شرعي، وإما كوني؛ لأن هذا مقتضى حكمة الله سبحانه وتعالى، وإذا كان كذلك فإن إتيان الله الملك لمن يشاء مقيد بسببه، فلابد أن يكون له سبب. فالملك قد يكون مستقلًا عن الرسالة، وقد يكون تابعًا للرسالة. فإذا كان مبنيًا على الشريعة صار تابعًا للرسالة، وإذا كان غير مبني على الشريعة كان مستقلًا. قال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} [البقرة: ٢٥٨].

فهذا ملك مستقل عن الرسالة؛ لأن الذي حاج إبراهيم كافر. وأما قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها" (١). فالمراد بذلك هنا: ملك تابع للرسالة.

والمشيئة هنا ككثير من الآيات معلقة بالحكمة.


(١) أخرجه مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض، رقم (٢٨٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>