للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يتبعونه, لأنهم قلة ولم يكثروا النزاع بينهم ولم تفتنهم الدنيا، كانوا يتبعون أباهم فيما يتعبد به من شريعة الله. فلما كثر الناس واختلفوا بعث الله النبيين، قال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} [البقرة: ٢١٣] , فصار الرسول أخص من النبي. وعليه فنقول: كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولًا، لكن الأنبياء الذين ذكروا في القرآن بلفظ النبوة هم أنبياء ورسل؛ لقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [غافر: ٧٨] , فأفادت الآية الكريمة أن كل من قصَّه الله في القرآن فهو رسول وإن كان لم يرد ذكره إلا بلفظ النبوة.

وقوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} يعني فإن أعرضوا عن الطاعة ولم يمتثلوا لها ولم ينقادوا، وهذا كفر منهم، ولكنه قد يكون مخرجًا من الإسلام وقد لا يكون مخرجًا، فإنْ كان كفرًا مطلقًا بكل ما أمروا به فهو كفر مخرج عن الإِسلام، وإن كان كفرًا مقيدًا ببعض الأوامر فهو كفر دون كفر لا يخرج من الإِسلام، والميزان في ذلك النصوص، فما دلَّت النصوص على أنه كفر كان التولي عنه كفرًا مخرجًا عن الملة، وما دلَّت النصوص على أنه معصية فهو كفر يخرج من الملة.

وفي قوله: {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} فسَّر بعضهم نفي المحبة بأن المعنى لا يثيبهم ولكن هذا تحريف، والصواب أنه لا يحبهم، وهو إذا لم يحبهم لن يثيبهم، فهذا انتفاء محبة الله عنهم. وقوله: {الْكَافِرِينَ} هو إظهار في محل الإضمار. ومقتضى السياق أن يقال: (فإن تولوا فإن الله لا يحبهم)، ولكنه أظهر في موضع

<<  <  ج: ص:  >  >>