الشرعية في تفسير القرآن، بل وفي تفسير الحديث النبوي، بل وفي كلام الغير حتى كلام الناس يجب أن نعمل بظاهره إلا بدليل، ولكن {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} كيف ألقوا هذه الأقلام، المعروف أنهم ألقوها في النهر، في الماء الذي يمشي، فما انحبس منها فصاحبه الذي يكفل مريم، وما جرى فهو الذي لا يكفلها، والقرآن ليس فيه بيان ذلك، يعني ليس فيه أنهم وضعوا هذه الأقلام في النهر، إنما ألقوا أقلامهم على وجهٍ الله أعلم بكيفيته، من باب الاقتراع -يعنى قرعة-، أيهم يكفل مريم، فخرجت القرعة لزكريا كما قال تعالى في أول القصة {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا}.
{وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ}.
يعني ما كنت عندهم أيضًا في حال اختصامهم، أيهم يكفل مريم، هذا الاختصام الظاهر أنه قبل إلقاء الأقلام، لكن أُخِّر في الذكر لمناسبة رؤوس الآيات {إِذْ يَخْتَصِمُونَ} على أنه قد يقال: إن الله سبحانه وتعالى ذكر النتيجة قبل المقدمة وقبل السبب؛ لأنها هي الغاية، فإن إلقاء الأقلام والسهام هو غاية الاختصام، فاختصموا أيهم يكفلها، فقالوا: لتُسْهم بإلقاء الأقلام، وقوله:{وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ} هذا كالدليل في قوله: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ} يعني فأنت ما قلتها لأنك شاهد، ولكن قلتها لأنها أوحيت إليك، وأيضًا فيه إشارة إلى أن هذا الذي أنبئ به كأنما يراه بعينه، وكأنه حاضر وهو كذلك؛ لأن أخبار الله عزّ وجل أشد ثبوتًا وحقيقة مما يُرى في العين.