فلو أن أحدًا أراد أن يصنع تمثالًا من الطين على هيئة الطير لكان ذلك حرامًا، لكن لما كان بأمر الله صار هذا حلالًا، ولهذا نظائر، السجود لغير الله شرك، والسجود لغير الله بأمر الله طاعة، ولهذا سجد الملائكة لآدم فكانوا طائعين، واستكبر عن ذلك إبليس فكان من الكافرين. قتل النفس المحرمة ولاسيما ذو الرحم من كبائر الذنوب، وإذا كان بأمر الله كان مما يقرب إلى الله، فإبراهيم عليه الصلاة والسلام أمر بذبح ابنه إسماعيل فامتثل، وكان امتثاله لذلك طاعة لله عزّ وجل. هكذا خلق عيسى كهيئة الطير لينفخ فيها فتكون طيرًا بإذن الله، هذا من الأمور التي أبيحت له بأمر الله عزّ وجل.
٥ - إطلاق وصف الخلق على المخلوق، أي أن المخلوق يكون خالقًا؛ لقوله:{أَخْلُقُ لَكُمْ} وهذا له نظائر، قال تعالى:{فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}[المؤمنون: ١٤] , وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في المصورين:"يقال لهم: أحيوا ما خلقتم"(١)، لكن خلق غير الخالق جل وعلا ليس خلقًا في الحقيقة, ولكنه تغيير أو تحويل، فالإنسان مثلًا يخلق من الطين صورة لكن الذي خلق الطين هو الله عزّ وجل، لا يمكن أن يخلق جميع الخلق شيئًا على وجه الاستقلال، وإنما خلقهم الأشياء يعني تغيير صور الأشياء أو تحويلها من شيء إلى شيء أو ما أشبه ذلك.
٦ - هذه المعجزة العظيمة لعيسى ابن مريم وهو أنه ينفخ في هذا التمثال حتى يكون طيرًا، وفي قراءة طائرًا، والفرق بينهما هو أن الطير قد يطير وقد لا يطير، ولكنه يصير طيرًا يطير بإذن الله في الحال.