للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: {آتَيْتُكُمْ} يعني أعطيتكم. والإيتاء هنا يراد به ما آتاه الله النبيين من أمور الشريعة، ولهذا قال {مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ} الكتاب: معروف كالتوراة والإنجيل. والحكمة: الحكم بين الناس، وإصابة الصواب؛ لأن الحكم بين الناس وإصابة الصواب من تنزيل الأشياء منازلها، وهذا هو الحكمة.

{ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ}: يعني ما آتيتكم من الكتاب والحكمة إذا جاءكم رسول مصدق لما معكم فإنكم تؤمنون به وتنصرونه. وقوله: {مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ} له معنيان:

المعنى الأول: أنه يصدق ما سبقه من الكتب، ويقول مثلًا: إن التوراة حق، والإنجيل حق، وما أشبه ذلك.

والمعنى الثاني: أنه يقع مصداقًا لما سبقه من الكتاب؛ لأن الكتب أخبرت به. فإذا جاء مطابقًا لما أخبرت به صار مصدقًا لها. فيكون على هذا الوجه شهادة لهذا الكتاب بأنه حق، ويكون مع الوجه الأول شهادة بأن الكتب السابقة حق؛ لأن الله تعالى يقول في النبي - صلى الله عليه وسلم -: {الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ} [الأعراف: ١٥٧] فإذا جاء على الوصف الذي جاءت به التوراة والإنجيل وقع مصداقًا؛ لأنها أخبرت بشيء فجاء هذا الشيء فيكون مصدقًا. أرأيت لو أن أحدًا من الناس قال: إن فلانًا سيقدم اليوم بعد الظهر فقدم، صار هذا الذي قدم مصدقًا لما أخبر به. إذن لما قالت الرسل: إن محمدًا رسول الله يبعث على الوجه الذي ذكر الله يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فجاء مطابقًا لما أخبرت به صار مصدقًا لها {مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ} أي للذي معكم من الكتب السابقة التي جاؤوا بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>