فالرسول - صلى الله عليه وسلم - كان في مجتمعهم، يُشاهدونه صباحًا ومساءً، ويغشاهم في مجالسهم، ويعودهم إذا مرضوا، ويزورهم - صلى الله عليه وسلم - في بيوتهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، فمن كان في هذه الحال هل يمكن لشرذمة من أهل الكتاب أن يردُّوه عن دينه؟ لا.
{وَمَنْ يَعْتَصِمْ}: أي يستمسك، العصمة بالله عزّ وجل فقد هُدِي إلى صراط مستقيم.
وقوله:{وَمَنْ يَعْتَصِمْ باللهِ} يشمل الاعتصام به توكلًا عليه، والاعتصام به تعبُّدًا له؛ لأن في كل منهما عصمة. {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة: ٥] فمن اعتصم بالله تعبُّدًا واستعانة، فقد هدي إلى صراطٍ مستقيم .. وأتى هنا بالفعل الماضي (هُدي): إشارة إلى أن هذا قد ثبت له الهدى سابقًا وواقعًا، سابقًا اللوح المحفوظ، في الكتابة حينما تُنفخ فيه الروح في بطن أمه، وواقعًا؛ لأنه اعتصم بالله.
وقوله:{هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} حذف الفاعل وذلك لتعدُّد طرق الهداية، فأعلى الهُداة الله عز وجل ثم الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم ورثة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهم العلماء، فهنا حذف الفاعل؛ ليشمل كل الهداة، وأولهم الله عزّ وجل:{يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[البقرة: ١٤٢]، ثم الرسول - صلى الله عليه وسلم -: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[الشورى: ٥٢]، ثم ورثة الرسول وهم العلماء: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (٢٤)} [السجدة: ٢٤].