للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(الواو) حرف عطف، {وَأَمَّا} تفصيلية كما في الأولى، {الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ} وهم المؤمنون. وهذا البياض يكون على قسمين: بياض عام لكل مؤمن، وبياض خاص لهذه الأمة حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: "سيما ليست لأحد من الأمم (يعني فيكم) تردون عليَّ غرًّا محجَّلين من أثر الوضوء" (١). فهذه الأمة تكون وجوهها بيضاء ولكن لها نور بخلاف غيرها، وأيضًا هذه الأمة يكون النور لها حيث يبلغ الوضوء، أي يكون في اليدين وفي الرجلين، ولهذا قال: (غرًّا محجَّلين)، وأما من سواها لا نعلم إلا أن وجوههم فقط هي التي تكون بيضاء، {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ} هم المؤمنون {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ}، "في" للظرفية، ورحمة الله هنا ليست الرحمة المذكورة في قوله تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ} [الكهف: ٥٨] لأن هذه صفة الله، أمَّا هنا {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ} فهي مخلوق الله والمراد بها الجنة كما جاءت في الحديث الصحيح: "إن الله قال لها -أي الجنة- أنتِ رحمتي أرحم بك من أشاء" (٢)، ويمتنع أن يكون المراد بها الصفة؛ لأن الصفة لا تكون ظرفًا للبشر، وإذا امتنع أن تكون ظرفًا للبشر امتنع أن يراد بالرحمة هنا الرحمة التي هي صفةٌ لله تعالى، بل هي الرحمة المخلوقة لله، وأطلق عليها اسم الرحمة لأنها كانت برحمة الله يرحم الله بها من يشاء من عباده.


(١) تقدم تخريجه (ص ٢٦).
(٢) رواه البخاري، كتاب تفسير القرآن، باب قوله: {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ}، رقنم (٤٨٥٠). ورواه مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، رقم (٢٨٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>