للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مصر هو وقومه، واتجهوا بأمر الله إلى جهة بحر القُلزم، وهو البحر الأحمر المعروف الذي يفصل بين قارة إفريقيا وآسيا من ناحية جدة، فلما وصلوا إلى البحر {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء: ٦١] لأن البحر أمامهم، وفرعون وقومه خلفهم. فهم هالكون على كل حال، إن ذهبوا إلى البحر هلكوا في البحر، وإن بقوا هلكوا بفرعون وجنوده، فقال موسى عليه الصلاة والسلام: {كَلَّا} يعني لستم بمدركين، ثم علل ذلك بقوله: {إِنَّ مَعِيَ رَبِّى سَيَهْدِينِ} [الشعراء: ٦٢]، الله أكبر! انظر إلى الإيمان عند الشدائد كيف يكون؟ فأوحى الله إليه: {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ} [الشعراء: ٦٣]، فضرب البحر بعصاه فانفلق في الحال، في لحظة، بدليل قوله: {فَانْفَلَقَ}، وانظر كيف حذف الله الفعل الذي حصل به الانفلاق؟ لأن هذا البحر لما أمر الله تعالى موسى أن يضربه تهيأ للانفلاق بمجرد هذه الضربة التي وقعت عليه، فكان اثني عشر طريقًا يبسًا، وصاروا يمشون عليه على أقدامهم، وكانت المياه ككتل الجبال، وذكر بعض المفسرين من خبر بني إسرائيل أن الله جعل في هذه الكتل نوافذ يرى بعضهم بعضًا ليطمئن بعضهم على بعض، فلما تكامل موسى وقومه خارجين، وإذا فرعون قد دخل هو وقومه، أمر الرب عزّ وَجَلَّ البحر فانطبق عليهم في الحال، فغرقوا عن آخرهم، ولما أدرك فرعون الغرق قال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} [يونس: ٩٠]، ولكن لم ينفعه ذلك كما قال الله تعالى في أمثاله: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر: ٨٤ - ٨٥]. ولهذا قيل لفرعون: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: ٩١]، وهذا الاستفهام

<<  <  ج: ص:  >  >>