للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن الله، هذا على زعمهم، ونحن نقول: هذه دعوى باطلة، دعوى من يقول: إن الفعل الحادث لا يقوم إلا بحادث، نحن نشاهد أفعالًا لنا لم تكن قديمة كقدمنا، فالإنسان يتعشى اليوم غير عشائه بالأمس، فهذا فعل حادث في محدث فلا يلزم أن يكون الفعل مقارنًا للفاعل أبدًا (لوجود الفاعل).

إذن نقول: في هذه الآية ردٌّ على هؤلاء الذين ينكرون قيام الأفعال الاختيارية بالله عزّ وجل.

٣ - بيان عظمة الله، من قوله: {سَنُلْقِي}. فإن هذه الصيغة تدل على العظمة أو التعدد. والتعدد في حق الله محال فتعيَّن أن تكون للتعظيم.

٤ - أن محل الإرادة والتدبير للبدن هو القلب؛ لقوله: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ}، وليس المحل هو الدماغ خلافًا للمشهور عند فلاسفة اليوم، فإن الدماغ في الحقيقة لا يدبر، بل يتصور ثم يرسل الصورة إلى القلب، والقلب يحكم، الدماغ بمنزلة ما نسميه "بالسكرتير" يجهز الأوراق ويرتبها ثم يرسلها إلى الملك ويقول له: ماذا تأمر؟ والدليل على هذا قوله تبارك وتعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: ٤٦] نصٌّ واضح أن العقل يكون في القلب، وأن محل هذا القلب هو الصدر، وبهذا نرد على من قالوا: إن المراد بقوله: {قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} [الحج: ٤٦] القلوب المعنوية هي الدماغ، والله يقول: {وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: ٤٦] وهذا نص صريح، ثم إن السنة أيدت هذا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ألا وإن في الجسد مضغة، إذا

<<  <  ج: ص:  >  >>