للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رضي الله عنهم (١)، هؤلاء الذين تولوا يوم التقى الجمعان أي تلاقوا وجهًا لوجه. {إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا}: استزل: في الأصل طلب الزلة، يعني إنما صدهم الشيطان من أجل أن يطلب زلتهم، وقيل: استزل بمعنى أزل يعني إنما أزلهم. والمراد بـ"أزل" أي: أوقعهم في الزلل، والزلل هو الخطأ والانحراف عن الصواب.

وقوله: {إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ}:

الشيطان: اسم جنس، ولكل إنسان شيطان قرين له يأمره بالشر وينهاه عن الخير، والشيطان هنا يقولون: إنه مشتق من شَطَن إذا بَعُدَ؛ لبعده عن رحمة الله، ومن أجل ذلك كان منصرفًا كما قال تعالى: {وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} [الحجر: ١٧]. وقال بعضهم: إنه من شَاطَ، ولو كان كذلك لكان غير منصرف إذا قصد به العَلم؛ لأنه إذا كان من شاط صارت النون والألف زائدتين، وإذا كانت النون والألف زائدتين في عَلَمٍ أو في وَصْفٍ امتنع من الصرف.

{إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا}:

الباء هنا للسببية، أي ببعض الذي كسبوه، وما هو الذي يكون سببًا لإغواء الشيطان من المكاسب؟ هو المعاصي أي: أن لديهم ذنوبًا كانت سابقة، ثم إن الشيطان استزلهم بها أي أوقعهم في الزلل لسبب هذه الذنوب؛ لأن الذنوب تكون سببًا للذنوب الأخرى، ولهذا قال بعض السلف: إن من علامة قبول الحسنة الحسنة بعدها، ومن علامة ردها السيئة بعدها.


(١) زاد المعاد لابن القيم (٣/ ٢١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>