سطر من كتابي يغترف من كتب اللُّغَة فِي الْخط سطورا، فَإِذا حُصِّل جَوْهَر الْكَلَام، عَادَتْ أَبْوَابهم لأبوابي شطورا، كَقَوْل أبي عبيد: سَمِعت الشَّيْبَانِيّ يَقُول: الأنوف: يُقَال لَهَا المَخاطِم، وَاحِدهَا: مَخْطِم. وَقلت أَنا فِي تَعْبِيره: المَخْطِمُ: الْأنف. وغنيت عَمَّا سوى ذَلِك، لِأَنَّهُ إِذا كَانَت الْكَلِمَة مَفْعِلا، فجمعها مَفاعِل، وَلَا يلْزم إِذا كَانَ لفظ الْجمع مَفاعل، أَن يكون الْوَاحِد مَفْعِلا، بل قد يكون مَفْعِلا، ومَفْعِلا، ومَفْعَلا فِي بعض الْمَوَاضِع، ومَفْعَلة، ومَفْعَلة، ومَفْعُلة.
وَكَقَوْلِه: الذآنين: نبت، والطَّراثيث: نبت، الْوَاحِد ذؤنون، وطُرْثوث، وَيُقَال: خرج النَّاس يتذأننون ويتطرثثون: إِذا خَرجُوا يطْلبُونَ ذَلِك. فغنيت أَنا عَن هَذِه الْعبارَة الْكَثِيرَة العناء، الْيَسِيرَة الْغناء، بِأَن قلت فِي الذَّال: الذؤنون: نبت، وَفِي الطَّاء: الطرثوث: نبت، لِأَن الشَّيْء إِذا كَانَ فُعْلولا، فَجَمعه لَا محَالة فَعاليل، وَإِذا كَانَ الْجمع فعاليل، لم يلْزم أَن يكون الْوَاحِد فُعْلولا وَحده، بل قد يكون فِعْلالا، وفِعْليلا، وفِعْلالة، وفِعْيِلة. وَكَذَلِكَ اكتفيت من قَوْله: خرج النَّاس يتذأنْنِون ويتطِرْثِثون: إِذا خَرجُوا يطْلبُونَ ذَلِك، بِأَن قلت: تذأْنِنُوا وتطِرْثِثُوا: طلبُوا ذَلِك. واقبح مَا فِي هَذِه الْعبارَة تَقْدِيمه الْجَمِيع على الْوَاحِد، وَهَذَا فِي كِتَابه وَكتب غَيره من أهل اللُّغَة كثير شَائِع، مستطير ذائع. وَهل أغرب من تَقْدِيم المركَّبات على البسائط؟ وناظرٌ إِلَى تقديمُهم أبنية اكثر الْعدَد، على أبنية أَقَله، إِذا كَانَ الْوَاحِد يَعتْقِب عَلَيْهِ بِنَاء أقلّ الْعدَد، وَهُوَ مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة، وَهُوَ الَّذِي يَدعُوهُ القدماء الْآحَاد، وَبِنَاء اكثر الْعدَد، وَهُوَ مَا زَاد على ذَلِك، حَتَّى إِذا كَانَ للْوَاحِد بِنَاء وَاحِد من أدنى الْعدَد، أَو بِنَاء وَاحِد من أَكْثَره، لم ينبهوا على انه لَا بِنَاء جمع لَهُ إِلَّا ذَلِك؛ وَللَّه در حذَّاق النَّحْوِيين، سِيبَوَيْهٍ فَمن دونه، فِي التَّحَرُّز من ذَلِك، وَأَيْنَ أجسم فَائِدَة فِي هَذِه الجموع من قَول سِيبَوَيْهٍ فِي الشَّيْء الَّذِي ينْفَرد بِبِنَاء وَاحِد من الْجمع، انه لَا يكسَّر على غير ذَلِك، كالأفئدة، والأكُفّ، والأقدام، والأرجل، وَغير ذَلِك، مِمَّا لَا أَسْتَطِيع وقفك على جَمِيعه، إِلَّا بِقِرَاءَة كتاب سِيبَوَيْهٍ، الَّذِي هُوَ نور الْآدَاب، ومادة أَنْوَاع الْإِعْرَاب.
فَإِن رَأَيْت قَضِيَّة من كتابي قد ساوت قَضِيَّة من كتب أهل اللُّغَة فِي اللَّفْظ، أَو قاربتها، فاقرن الْقَضِيَّة بالقضية، يلُح لَك مَا بَينهمَا من المزيَّة، إِمَّا بفائدة يجلُّ موضعهَا، وَإِمَّا بِصُورَة عبارَة يَلَذُّ موقعها، كَقَوْل أبي عبيد: تَمَأَّى الجلدُ تَمَئِّيا، مِثَال: تَمَعَّى تَمَعِّيا، تفَعَّل تفعُّلا: إِذا اتَّسع. وَصلى الله على نَبينَا مُحَمَّد الْقَائِل: " إِن من الْبَيَان لسحرا ". وَأَيْنَ هَذَا من قولي بدل
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute