وحُسْنا، وَلَا يرمينَّك الْحَسَد بِمَا يَكْمَدُ مِنْهُ الرّوح والجسد، فَإِنَّهُ لَا رَاحَة لحسود، وَلَا نعْمَة دائمةً لكَنُود.
وَفِي تَعَبٍ مَن يَحسُدُ الشَّمسَ نورَها ... ويَجْهَدُ أَن يأْتِي لَهَا بضريبِ
فَإِن كتَابنَا هَذَا مدعاة للنفوس الشاردة، مذكاة للقلوب الهامدة، معلقَة بفؤاد المتفهم، مأنقة لعين النَّاظر المتوسم، روض مَا أزهى أزاهيره، وأبهى فِي عُيُون اأافاهيم أشاهيره! وَإِن كنت إِنَّمَا أطفْت الْأَنْوَار بالعميان، وزففت الْأَبْكَار إِلَى الخصيان، غير انه إِذا سعد بِرِضا الْأَمِير، أَطَالَ الله بَقَاءَهُ - وأدام عزته وعلاءه - فقد أغْنى عَن الوشل الْبَحْر، وَإِذا الشَّمْس لم تغرب فَلَا طلع الْبَدْر، وَلَو كَانَ لكتابي هَذَا نَفْسٌ مُنْطَقة، ولسان مُطلقَة، لأنشد قَول أبي الطَّيِّب:
غَضَبُ الحسودِ إِذا لَقيتُكَ رَاضِيا ... رُزْءٌ أخَفُّ عليَّ مِنْ أنْ يُوزَنا
وَهَذَا أَوَان أُجَلِّي عَلَيْك جمهرة أَوْصَافه، إِن لم يغُرَّك حسد مالكٌ لَك عَن إنصافه، وَإِن أَبيت إِلَّا الحسادة فَذَلِك إِلَيْك، لِأَن الخسران إِنَّمَا يثبت فِي يَديك، وَقد قَالَ الْحَكِيم الَّذِي لَا يُدْفع فَضله: لَا يحزنك دم هَراقه أهلُه.
إِن كتَابنَا هَذَا مشفوع الْمثل بِالْمثلِ، مقترن الشكل بالشكل، لَا يفصل بَينهمَا غَرِيب، وَلَا أَجْنَبِي بعيد وَلَا قريب، مهذب الْفُصُول، مُرَتّب الْفُرُوع بعد الْأُصُول، وَمن شافه علما من علم الضَّرُورَة، لم يأل فِي التحفظ بِتَقْدِيم الْمَادَّة على الصُّورَة. هَذَا إِلَى مَا تحلَّى بِهِ من التَّهْذِيب والتقريب، والإشباع والاتساع، والإيجاز والاختصار، مَعَ السَّلامَة من التّكْرَار، والمحافظة على جمع الْمعَانِي الْكَثِيرَة، فِي الْأَلْفَاظ الْيَسِيرَة، فكم بَاب فِي كتب أهل اللُّغَة أطالوه، بِأَن أخذُوا محموله على أَنْوَاع جمَّة، وأخذته أَنا على الْجِنْس، فغنيت عَن ذكر الْفُرُوع بِذكر القِنْس، فَإِنَّهُ إِذا كَانَ الْمَحْمُول مأخوذاً على الْحَيَوَان، فَلَا محَالة انه مَأْخُوذ على السَّبع وَالْفرس وَالْإِنْسَان، وَغير ذَلِك من الْأَنْوَاع الَّتِي نجد الْحَيَوَان لَهَا جِنْسا، فَرب
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute