وخالف أبو حنيفة هذا الحكم، وزغم أنه منسوخ بقول النبي صلى الله عليه وسلم:" العجماء جبار " والرواية عند أهل الحديث: العجماء جرحها جبار. وقد أجمع أن على راكب الدابة ما أصابت بيديها، فدل ذلك أن ما أصابت جبار إذا لم يكن صاحبها معها أو قائدها. فخالف أبو حنيفة، في هذا داود وسليمان ومحمداً صلى الله عليه وسلم وجميع العلماء. " وجبار " مشتق من جبرت العظم، إذا لامته، وجبرت الرَّجْلَ، إذا نعشته فكان صاحبها يجبر وينعش بإسقاط ما جنته الدابة عنه من غير أن يكون له فيه فعل.
ويجوز أن يكون من أجبرت الرجل على الشيء، إذا قهرته عليه، فتكون الدابة كلها مجبرة من حيث عليه أن لا يأخذ في الجناية بشيء.
وقد قيل: إن الذي أفسدت الماشية كان زرعاً فقضى فيه سليمان أن يأخذ صاحب الزرعغ الماشية ينتفع بألبانها. وأصوافها إلى أن يأتي حول ثاني، ويزرع له صاحب الماشية مثل زرعه. فإذا بلغ الحد الذي كان عليه وقت رعته الماشية، دفعه إلى صاحب الزرع، وأخذ ماشيته.
وقيل: كانا نبيين يحكمان في وقت بأمر الله ووحيه.
فكان داود يحكم بحكم أمره الله به. فيحكم به في الزرع، ثم نسخه الله، فأوحى إلى سليمان نسخه فحكم به في ذلك. فكل حكم بحكم الله تعالى وأمره له. وحكم سليمان ناسخ لحكم داود بأمر الله له ووحيه إليه. ولذلك قال: وكلاً آتينا حكماً وعلماً.