للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٤ - أن هؤلاء الشهداء ليس عليهم خوفٌ ولا حزن، لا خوف يتعلق بالمستقبل، ولا حزن يتعلق بالماضي؛ أما كونهم لا خوف عليهم في المستقبل، فلأنهم قد أحلّهم الله الجنات، والجنة من يدخلها ينعم فلا يبأس، ويصح فلا يسقم، ويحيى فلا يموت، وفيها من النعيم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. وأهل الجنة في الآخرة هم أهل الجنة في الدنيا، ولهذا لا تجد أحدًا أنعم بالًا وأسرّ حالًا من المؤمن، إن أُعطي شكر، وإن ابتُلي صبر، وإن أذنب استغفر، ودائمًا مع الله عزّ وجل في حكمه الكوني، وفي حكمه الشرعي، راضٍ بقضاء الله؛ ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن" (١). وقد ذكر بعض العلماء أن قوله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [الدخان: ٥٦] ذكروا أنه قال: {إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان: ٥٦] مع أن الموتة الأولى قد انتهت؛ لأن نعيم أهل الجنة مستمر من الحياة الدنيا إلى دخول الجنة. وأما كونهم لا يحزنون على ما مضى -أعني الشهداء- فلأنهم استكملوا عملًا من أفضل الأعمال، وهو الجهاد في سبيل الله، الذي أدى بهم إلى الشهادة، فلا يحزنون على الماضي، فمن خرج من الدنيا شهيدًا فقد خرج أكمل خروج وهو في الطبقة الثانية من طبقات الذين أنعم الله عليهم.


(١) رواه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب المؤمن أمره كله خير، رقم (٢٩٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>