للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: {عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ} أي: على ما هم عليه من غير بيان ولا تمييز بين الخبيث والطيب، هذا مستحيل على الله، وذلك لأن المجتمع النبوي في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - خليط بين المؤمنين الخُلَّص والكافرين الخُلَّص، والمنافقين، أما الكافرون الخُلَّص فهم متميزون بإعلانهم للكفر وتصريحهم به، ولا تخفى حالهم على أحد، وأما المؤمنون الخُلَّص فكذلك أمرهم واضح ظاهر، يبقى الاشتباه بين المؤمن الخالص وبين المنافق؛ لأن المنافقين يُظهرون الإيمان، قال تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا} [البقرة: ١٤] فالأمر يحتاج أن يُميِّز الله عزّ وجل بين الخبيث والطيب، ولهذا قال: {عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ}. يعني من الخفاء والإشكال.

{حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}:

{يَمِيزَ} بمعنى: يفصل، يعني يفصل بين الخبيث والطيب بما يُخبر به عزّ وجل.

قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ}:

يعني: وما كان الله ليطلعكم على الغيب في تمييز الطيب من الخبيث، فأنتم لا تعلمون ما في صدورهم، أي: ما في صدور هؤلاء الخبثاء المنافقين؛ لأنكم لا تعلمون الغيب، والله عزّ وجل ما كان ليطلعكم على الغيب، وهذه الآية تشبه آية الجن: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [الجن: ٢٦ - ٢٧]، ولهذا قال: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ}:

هذا استدراك على قوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ}،

<<  <  ج: ص:  >  >>