وأن هذا الخطاب عام حتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا جاء الاستدراك فقال:{وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ}.
{يَجْتَبِي}: يعني يختار من رسله من يشاء فيُطلعه على الغيب الذي يُريد أن يُطلعه عليه، كما قال: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: ٢٦، ٢٧].
هذه الجملة من الآية تُصوِّر لنا حال المجتمع النبوي في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، أن فيهم أناسًا يخفى أمرهم، فبيَّن الله عزّ وجل أن هؤلاء الناس الذين يخفى أمرهم، لابد أن يفصل الله بينهم وبين المؤمنين بالعلامات التي يُظهرها، ولا يكون هذا باطلاعهم على الغيب؛ لأن الله عزّ وجل لا يُطلع أحدًا على الغيب إلا من ارتضى من رسول، ويكون هذا عن طريق اطلاعنا على ما في قلوب هؤلاء عن طريق الوحي، ولهذا سمَّى النبي - صلى الله عليه وسلم - عددًا من المنافقين لحذيفة بن اليمان الذي كان يُلقَّب بصاحب السر، سرّ النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أسرَّ إلى حذيفة بأسماء رجال من المنافقين ولم يُسِرّ إلى أبي بكر ولا عمر، ولا إلى من هو أفضل من حذيفة، وهذه تذكِّرنا بقاعدةٍ ذكرها ابن القيم في النونية، وهي أن الخصيصة بفضيلة معيَّنة لا تستلزم الفضل المطلق، وأن الفضل نوعان: مطلق، ومقيد، فهنا لا شك أن حذيفة - رضي الله عنه - امتاز عن الصحابة بما أخبره به النبي - صلى الله عليه وسلم - من أسماء هؤلاء المنافقين، لكنه لا يلزم من هذا أن يكون أفضل ممن له فضلٌ مطلق عليه، كأبي بكرٍ وعمر ومن أشبههما، وعليه فإننا لا نعلم عما في قلوب هؤلاء ولكن الله يُميِّزهم بما يُطلع عليه نبيه - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا قال: