للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفائدة يكون فيها ردٌّ على الجهمية الذين يقولون: (إن الظلم محالٌ على الله، محالٌ لذاته، لا لأن الله نفاه عن نفسه)، لأنهم يقولون: (إنه مهما تصرَّف فقد تصرف في ملكه، والمتصرِّف في ملكه يفعل ما يشاء، فالظلم عنده المحال لذاته). كما قال ابن القيِّم في النونية: "والظلم عندهم المحال لذاته".

ونحن نقول: الظلم ليس محالًا على الله لذاته، لو شاء الله أن يظلم لظلم، لكنه نفاه عن نفسه تمدُّحًا بذلك، ولذلك قال في الحديث القدسي: "إني حرَّمتُ الظلم على نفسي" (١)، وهذا يدلُّ على إمكانه منه، لكنه لا يفعله.

فإن قال قائل: قد جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لو أن الله عذَّب أهل سمواته وأرضه، لعذَّبهم وهو غير ظالمٍ لهم" (٢).

فالجواب: أن نقول: لا معارضة بين هذا الحديث وبين الآية؛ لأن الله لو عذَّبهم لم يمكن أن يُعذِّبهم وهو ظالمٌ لهم، إذن لا يُعذِّبهم إلا وهم مُستحقُّون للعذاب، وعلى هذا فيكون الحديث مُطابقًا للآية. أو يُقال من وجهٍ أخر: "لو أن الله عذَّب أهل سمواته وأرضه، لعذَّبهم وهو غير ظالمٍ لهم" أي: إذا أراد أن يُناقش العباد فإن من نوقش الحساب عُذِّب؛ لأنه لو ناقشهم لكانتْ نعمةٌ واحدةٌ من نعمه تُقابل جميع أعمالهم، فحينئذٍ يستحقُّون أن يُعذبوا.


(١) تقدم تخريجه في المجلد الأول (ص ١٥٣).
(٢) رواه ابن ماجه، في المقدمة، باب في القدر، رقم (٧٧). ورواه أبو داود، كتاب السنة، باب في القدر، رقم (٤٦٩٩). ورواه أحمد في مسنده، رقم (٢١١٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>