للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المرتبة الأولى: صحة ما قال.

المرتبة الثانية: مخالفته لما قال.

فهنا لم يُطالبهم الله بصحة ما قالوا من باب موافقة الخصم، وقولنا من باب موافقة الخصم أحسن من قولنا من باب التنزّل؛ لأن الذي معنا قرآن وإن قلنا: تنزّل فإنه بناء على العبارة المعروفة عند العلماء.

والمعنى أن يقول: هب أن الأمر كما قُلتم وأنه عهد إليكم ألا تؤمنوا لرسول حتى يأتيكم بقربانٍ تأكله النار، فقد جاءكم رسولٌ بقربانٍ تأكله النار ومع ذلك قتلتموه، إذن فطلبكم هذه الآية المعيَّنة ليس عن صدق، لأنها قد جاءتكم ومع ذلك فقد كذَّبتم الرسل وقتلتموهم، فهنا عَدَل عن المطالبة بصحة الدعوى، من باب موافقة الخصم، أي أنكم لا تُريدون أن تُصدِّقوا الرسل، وإنما تُريدون تكذيبهم.

وقوله: {قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ}:

أي الآيات البينات الدالة على رسالتهم وصدقهم {وَبِالَّذِي قُلْتُمْ} يعني: والذي قلتم دون البينات التي جاؤوا بها، بدليل أنه قدَّم قوله "بالبينات" فدلَّ هذا على أن ما قالوه وإن كان آية، لكنه دون البينات التي جاؤوا بها، لأنهم جاؤوا بأعظم من هذا، فمثلًا موسى عليه الصلاة والسلام جاء ببينة أعظم من ذلك: كان يلقي العصا فتكون حية، ويحملها فتكون عصا، وكان يدخل يده في جيبه فتخرج بيضاء لكن من غير عيب أو من غير برص، كذلك عيسى كان يخرج الأموات من القبور أحياء، أو يقف على الميت قبل أن يدفن فيحيا بإذن الله، ويخلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله

<<  <  ج: ص:  >  >>