للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تسمعن منهم أذىً كثيرًا بالقول، لأنه هو الذي يُسمع، مثل أن يعيّروكم أو يسبّوا دينكم، أو يسبّوا نبيكم، وقد قالوا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنه ساحر كذاب {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: ٥] وقالوا: إنه مجنون {وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} [الصافات: ٣٦] وقالوا: إنه كاهن، ووصفوه بكل عيب، ولا شك أن هذا يؤذي المؤمنين، ويؤذي النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن وظيفتنا نحو هذا الأمر الصبر، ولهذا قال: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}.

وقوله: {أَذًى كَثِيرًا} يعني: وأذى قليلًا، لكن الأذى الكثير أشد على الإنسان من الأذى القليل، ومع ذلك فإنه مأمور بالصبر فيه، ولهذا قال: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}.

وتأمّل (ولتسمعن أذىً) ولم يقل ضررًا؛ لأن هذا الذي نسمع يؤذينا ولكن لا يضرنا.

قال تعالى: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} وهنا فرق بين الأذية وبين الضرر، قد يتأذى الإنسان بالشيء ولا يتضرر منه، ولهذا أثبت الله سبحانه وتعالى أن عباده يؤذونه، أي من عباده من يؤذيه، ونفى أن يكون أحدٌ يضره، فقال الله عزّ وجل في الحديث القدسي: "يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني" (١)، وقال: {وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: ٥٧]


(١) تقدم تخريجه في الحديث القدسي الطويل: "يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي. . ." في المجلد الأول (ص ٥٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>