وهكذا فإن الليل والنهار فيهما آيات، تختلف باختلافهما في ذاتهما وفيما يقع فيهما، قال الله تعالى:{وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}[آل عمران: ١٤٠] ولو تأمل الإنسان لوجد أكثر مما ذكرنا من اختلاف الليل والنهار.
وقوله:{لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}:
آيات: جمع؛ لأنها متنوعة ومتعددة ولكنها لا يفهمها ولا يتخذها آيات إلا أولو الألباب، ولهذا قال:{لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} أي: لأصحاب العقول.
وسمي العقل لبًّا: لأنه "خالص الإنسان"، كما أن "اللب خالص الحبة"، فالإنسان بعقله، والعقل ليس هو الذكاء كما قد يتبادر بأذهان كثير من الناس، ولكن العقل هو:"الرشد في التصرف". فكلما كان الإنسان أشد رشدًا وتصرفًا كان أعقل. وليس كلما كان أذكى فهو أعقل؛ لأنه قد يكون من الأذكياء من هو أبعد الناس عن العقل، ولهذا يمكن أن نقول لصناديد الكفرة الممتلئين ذكاءً نقول: إنهم غير عقلاء وإن كانوا أذكياء.
قال الله لبني إسرائيل:{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}[البقرة: ٤٤] مع أنهم عندهم ذكاء.
فأصحاب الألباب: هم الذين يعرفون ما في هذه الأشياء الأربعة من الآيات العظيمة، خلق السموات، خلق الأرض، اختلاف الليل، اختلاف النهار.
ثم بيَّن الله تعالى ما يتصف به هؤلاء فقال:{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ}، وهذه صفة مبينة، وعليه فإن لنا أن نجعلها "عطف بيان" ولنا أن نجعلها "صفة مبينة لحالها".