للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقيل: للمشركين؛ لأنهم كانوا يحاجون الرسول عليه الصلاة والسلام لما نزل قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: ٩٨]، ويقولون: يا محمد، إنك تزعم أن الذي يدعو أحدًا غير الله يكون هو ومن يدعوه في النار، إذن عيسى في النار، لأنه يعبد من دون الله، فأنزل الله تعالى بعد الآية مباشرة: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (١٠١) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ} (١) [الأنبياء: ١٠١ - ١٠٢].

والمهم أنَّ الله عزّ وجل يقول: إن حاجُّوك فقل لهم قولًا تخلص به منهم: {أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ}، وإذا أسلم الإنسان وجهه لله، قبل كل ما يخبر الله به، وامتثل كل ما يأمر به، وانتهى عن كل ما نهى عنه؛ فهو مسلِّم وجهه لله.

والمراد بالوجه هنا ليس الوجه الذي هو الجارحة التي في الرأس، وإنما المراد: القصد، ووجهة القلب، كما قيل:

رب العباد إليه الوجه والعمل

وربما نقول: إنه يشمل هذا وهذا؛ لأن الإنسان يسلم وجهه لله، فتجده يضع وجهه الذي هو أشرف أعضائه على التراب ذلًّا لله، واستسلامًا له.

وإذا قلت: {أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ} يترتب عليه تصديق خبر الله، وامتثال أمره، واجتناب نهيه، فهذه طريقتي، وأمرت أن أبلغكم، وقد بلغتكم، وليس عليَّ أكثر من ذلك: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: ٢٧٢].


(١) انظر: ابن كثير (٣/ ١١٩)، والدر المنثور (٥/ ٦٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>