بعين واحدة. فالله يغفر ما دون ذلك لمن يشاء، ومن لا يشاء لا يغفر له، وأنت لا تجزم بأنك ممن شاء الله أن يغفر له، إذن أنت على خطر. على أن الذي يستخف بالمعصية، ويُلَبِّس على نفسه وعلى الناس، قد يكون ممن لا يشاء الله أن يغفر له -والعياذ بالله- لأن هذا مستهتر مستهين.
٣ - أن هؤلاء يؤمنون بالبعث، ولكن لم ينفعهم الإيمان؛ لقوله:{لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}. ويتفرع على هذا أنه لا يكفي في الإيمان أن يؤمن الإنسان بوجود الله، وباليوم الآخر، دون أن يستلزم هذا الإيمان قبولًا وإذعانًا، فمجرد التصديق لا يعتبر إيمانًا، ودليل هذا نصوص كثيرة، منها: أن أبا طالب عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقر بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حق، ويقول:
لقد علموا أن ابننا لا مكذب ... لدينا ولا يعني بقول الأباطل
ويقول:
ولقد علمت بأن دين محمد ... من خير أديان البرية دينا
ومع ذلك: لم ينفعه هذا الإقرار؛ لأنه لم يصحبه قبول وإذعان. وختم له في الآخر -والعياذ بالله- بأنه قال: هو على ملة عبد المطلب (١)، ولكن نظرًا لما حصل منه من دفاع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن الله لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يشفع له، فشفع، فكان في ضحضاحٍ من نار، وعليه نعلان يغلي منهما دماغه أبد
(١) أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}، رقم (٤٧٧٢). ومسلم، كتاب الإيمان، باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت، رقم (٢٤).