للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فعلًا. فالله يقول الحق وهو يهدي السبيل، ويفعل الخير ولا يفعل الشر، وإذا وجد شر في المفعولات فهو شر من وجه، وخير من وجه آخر، لكن إيجاد الله لهذه الأشياء الشريرة ليس شرًّا، بل هو خير محض. والشر إنما هو في المفعولات لا في الأفعال. أما الخير فهو في المفعولات والأفعال، ولهذا ينسب إلى الله فيقال: بيده الخير. ولنضرب لهذا مثلًا بالسباع والهوام، فالسباع: فيها شر، والهوام اللاسعة واللاذعة فيها شرّ بلا شك، والشياطين كلها شر، لكن إيجاد الله لهذه الأشياء خير، والحكمة توجبه؛ لأنه لا يمكن أن تعرف تمام قدرة الله إلا بخلق الأشياء المتضادة، ثم في خلق هذه الأشياء من إصلاح العبد، واللجوء إلى ربه، والاستعاذة به من هذه الأمور الشريرة، خير كثير، والخير لا يعرف إلا بضده.

إذن يجب أن نبقي الآية على ظاهرها بدون تقدير.

وقوله: {إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}:

ومن قدرتك تغيير هذه الأشياء العظيمة: إيتاء الملك ونزعه، والإعزاز والإذلال، كل هذه أمور عظيمة لا يقوم بها إلا القادر عليها، سبحانه وتعالى.

والآية عامة؛ فهو قدير على كل شيء، على ما شاءه وما لم يشأه. وبهذا نعرف أن تقييد بعض الناس القدرة بالمشيئة خطأ؛ لأن الله قادر على ما يشاء وعلى ما لا يشاء. وأما قوله تعالى: {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ} [الشورى: ٢٩]. فالمشيئة هنا ليست عائدة على القدرة، ولكنها عائدة على الجمع؛ يعني: إذا أراد جمعهم، وشاء جمعهم، فهو قدير عليه، لا يعجز عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>