للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي يظن أنه على خلاف الحكمة سيئ الفهم، أما سليم الفهم الذي يعطيه الله تعالى فهمًا فستتبين له الحكمة، ومع ذلك لا يمكن أن ندرك كل وجوه الحكمة؛ لأن حكمة الله عزّ وجل لا تدرك غايتها، والإنسان بشر ناقص، وكم من أحكام شرعية تظن أن حكمتها كذا وكذا ثم يتبين لك أن لها حِكَمًا أخرى، أو ربما يتبين لك أن هذه ليست الحكمة بل الحكمة شيء آخر، إنما يجب عليك أن تؤمن بأنه ما من حكم لله كوني أو شرعي إلا وله حكمة.

ولا يلزم على هذا أن تذهب مذهب المعتزلة في وجوب فعل الصلاح، أو وجوب فعل الأصلح، على الله لأمرين:

الأول: قد تظن أن هذا هو الأصلح، وليس الأصلح. ولنضرب لهذا مثلًا: نحن نظن أن الأصلح نزول الغيث، وخصب الأرض، فإذا امتنع المطر وأجدبت الأرض فقد يكون هذا هو المصلحة! ونحن لا نعلم.

إذن لا يمكن أن نقول: يجب على الله كذا لأنه أصلح، إذ قد يكون ما قلنا إنه الأصلح هو الأفسد! .

الثاني: إذا تحققنا أنه الأصلح فإنه يجب بمقتضى الحكمة لا بمقتضى العقل. فنحن لا نوجب على الله بعقولنا، والعقل لا يوجب على الله شيئًا، لأن العقل مخلوق ناقص، فلا يوجب على الكامل الأزلي الأبدي شيئًا، فإذا وجب فعل الأصلح فإنما الذي أوجبه على نفسه الله. قال الله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: ٥٤] وقال تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى} [الليل: ١٢]. فأوجب على نفسه أن يهدي الناس ويدلهم، فإذا ثبت أن هذا هو الأصلح فقد وجب على الله بمقتضى حكمته وإيجابه على

<<  <  ج: ص:  >  >>