للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فكل يدعي وصلًا لليلى ... وليلى لا تقر لهم بذاكَ

كل يدعي أنه يحب الله؛ لأن الدعوى سهلة. لكن الكلام على البينة، والبينة على المدعي, فإذا كانوا يحبون الله حقًّا فليتبعوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، لينالوا ما هو أعظم من دعواهم، وهو محبة الله لهم. ولهذا قال: {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} , فالشأن ليس أن تُحِب بل الشأن أن تُحَب، أما أن تُحِب ولا تُحَب، فهذا عذاب. انظروا إلى بريرة ومغيث: بريرة تبغض مغيثًا، ومغيثٌ يحبها، فعذِّب بحبها لما عتقت، خيَّرها النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اختاري لنفسك"، قالت: لا أريد الرجل، تعني: زوجها، فطلبت الخيار لنفسها والشرع يمكِّنها من ذلك، فكان زوجها يبكي وراءها في السوق، في أزقة المدينة, يطلب ألا تختار نفسها، فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال له: اشفع لي يا رسول الله عندها. فكلَّمها النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال لها: "ارجعي إلى مغيث". قالت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن كنت تأمرني، فسمعًا وطاعة، وإن كنت تشير علي فلا حاجة لي فيه".

قال: بل أشير، قالت: لا حاجة لي فيه (١). يعني أنها لم تقبل شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم ترحم الرجل الذي يمشي وراءها يبكي في الأسواق، والخطاب في الآية للرسول - صلى الله عليه وسلم -، إذا وجه إليه بـ {قُلْ} في القرآن فهو دليل على العناية بهذا القول الذي أمر أن يقوله؛ لأن هذا أمر بالتبليغ الخاص لهذا القول. أما القرآن كله فقد أمر أن يقوله كله لكن بعض الأشياء يُخص بـ (قل) مثل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ


(١) رواه البخاري، كتاب الطلاق، باب شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - في زوج بريرة، رقم (٥٢٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>