الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦]، فدلَّ السمع والعقل على أنه موحىً إليه، ولكن هل كان رسولًا؟ لا، ليس برسول بدلالة الكتاب والسنة. أما الكتاب ففي قوله تعالى:{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ}[النساء: ١٦٣]، فجعل النبيين من بعد نوح. وقال تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ}[الحديد: ٢٦]، وفي الحديث الصحيح حديث الشفاعة الطويل: أن الناس يأتون إلى نوح ويقولون له: أنت أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض (١).
وعليه فآدم نبي أوحي إليه بشرع وتعبد الله به، وبقي الناس على هذا الشرع لأنهم قلة، ولم يحصل منهم اختلاف، فلما اختلفوا بعث الله النبيين كما قال تعالى:{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ}[البقرة: ٢١٣].
وقوله:{وَنُوحًا}، ذكره الله عزّ وجل بعد ذكر آدم؛ لأنه الأب الثاني للبشرية، فإن نوحًا لما كذبه قومه إلا القليل أهلكهم الله تعالى بالغرق، فجعل الله ذريته هم الباقين كما في سورة الصافات:{وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ}[الصافات: ٧٧]، فصار الأب الثاني للبشرية.
آل إبراهيم: لا شك أنه يدخل فيهم إبراهيم بالأولى، لكن
(١) رواه البخاري، في كتاب أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ}، رقم (٣٣٤٠) ورواه مسلم، في كتاب الإيمان، باب أول أهل الجنة منزلة فيها، رقم (١٩٤).