للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عِمْرَانَ}، يعني هؤلاء الأربعة الأصناف ذرية بعضها من بعض، وذرية: مأخوذة من (ذرأ) بمعنى خلق؛ لقوله تعالى: {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} [الشورى: ١١] أي يخلقكم. وقيل: من (وذر) بمعنى ترك، فعلى الأول: تكون الذرية شاملة للأصول والفروع؛ لأن الأصول مخلوقون والفروع كذلك مخلوقون، أما إذا جعلناها من (وذر): بمعنى ترك فهي للفروع فقط، وهذا هو المعروف عند عامة الناس أن الذرية هم الفروع، يعني من نشؤوا عن الإنسان وتركهم بعده. ومما يدل على إطلاق الذرية على الأصول قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [يس: ٤١]، فإن الذين حملوا في الفلك هم الذين آمنوا مع نوح وهم سابقون.

وقوله: {بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ}.

بعضُها من بعض في جنس الخلقة، أو بعضها من بعض في الآداب والأخلاق والديانات، والظاهر الشمول، يعني أن الآدميين كلهم من جنس واحد، ليس فيه آدمي كان بالأول قردًا كما يقوله إخوان القردة ومن أقروا على أنفسهم بأنهم قردة، فالآدمي أصله آدمي، خلق الله أباه بيده ابتداء، لكن هؤلاء أبوا إلا أن يجعلوا أنفسهم من القرود. فبعضها من بعض في الخلقة من آدم إلى يومنا هذا، لم تتغير الخلقة إلا في قوة الجسم؛ لأن آدم عليه السلام خلق طوله في السماء ستون ذراعًا وعرضه أيضًا -على ما في أحاديث كثيرة حسان- سبعة أذرع (١)، وهذا الخلق


(١) رواه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب خلق آدم صلوات الله عليه وذريته، رقم (٣٣٢٦). ورواه مسلم، في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب أول زمرة تدخل الجنة علي صورة القمر، رقم (٢٨٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>