للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خبثًا لكون أصله طيبًا ثم ارتد بنفسه إلى الخبث؛ لأن من كان أصله طيبًا ثم نزل بنفسه إلى المستوى الأدنى صار أكثر لومًا ممن لم يكن كذلك. ولذلك لو زنت الحرة لجلدت مائة جلدة إن كانت غير محصنة، ورجمت إن كانت محصنة، ولو زنت الأمة لم ترجم ولو كانت متزوجة، ولم تجلد مائة جلدة بل تجلد خمسين؛ لأن هناك فرقًا بين إنسان أصله كريم وشريف ثم يضع نفسه موضع الوضيع، وبين شخص كان في الأصل على خلاف ذلك، ويدل لهذا أي: أن الناس يختلفون في أجناسهم قول الله في كتابه: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: ١٢٤]، وقد جعلها الله تعالى في العرب؛ في محمد - صلى الله عليه وسلم -، فإذا كان محمد أطيب الخلق وأشرفهم لزم أن يكون جنس العرب أطيب الأجناس وأفضلها وأشرفها، وهو كذلك. وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: "خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا" (١).

فإن قال قائل: ما الجواب عن قوله تعالي: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣].

فالجواب: أن نقول: إن الله تعالى أراد أن يمحو ما كان أهل الجاهلية يعتادونه من الفخر بالأحساب، حيث يقول: أنا من القبيلة الفلانية، أنا من القبيلة الفلانية. فبيَّن الله أن هذه الشعوب والقبائل. جعلها الله من أجل التعارف لا التفاخر، وأن فخركم لا يقربكم إلى الله، فالذي يقربكم إلى الله هو التقوى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ


(١) رواه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ}، رقم (٣٣٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>