للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: {وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ}.

تقولها أمها، وهذا الاسم إما أن يكون مشهورًا عندهم أو أنها اختارته لأمر يريده الله عزّ وجل، وهذه قضية عين، والله أعلم ما هو السبب أنها اختارت هذا الاسم.

قالت: {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ}.

{أُعِيذُهَا}: أي أستجير بك لها؛ لأن الاستعاذة معناها الاستجارة من أمر مكروه، ولهذا نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ونستعيذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، وفتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدجال. قالوا -أي أهل اللغة-: (العياذ من المكروه، واللياذ في رجاء المحبوب) وأنشدوا على ذلك قول الشاعر:

يا من ألوذ به فيما أؤمله ... ومن أعوذ به مما أحاذره

لا يجبر الناس عظمًا أنت كاسره ... ولا يهيضون عظمًا أنت جابره

وهو يخاطب ملكًا من الملوك، وهذا الوصف لا يليق إلا بالله عزّ وجل. لكن الشعراء يتبعهم الغاوون.

إذن {أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}، يعني أستجير بك لها من الشيطان الرجيم، والشيطان هو أبو الجن كما قال الله تعالى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} [الكهف: ٥٠]، وهنا نقول: شيطان من شطن أو من شاط، قولان: فمنهم من قال: إنه من شطن أي بَعُدَ، ومنهم من قال: من شاط أي غضب؛ لأن طبيعة الشيطان الغضب والسرعة وعدم التأني، وهو أيضًا قد بَعُدَ من رحمة الله، ولكن الظاهر أنه من شطن، وأن النون أصلية، ولذلك لا يمنع من الصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>