للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نعم (١)، فاعتبر الإشارة. ولا شك أن الإشارة تعبر عما في النفس لكنها ليست القول الذي هو الصوت، فمن لاحظ المعنى قال: الاستثناء متصل، ومن لاحظ اللفظ وأن الكلام هو الصوت قال: الاستثناء منقطع، ولكن على القولين المعنى واحد، لن يستطيع أن ينطق بلسانه مع الناس ولكن يشير إليهم إشارة، ووجه كون هذه آية: أنه عجز عن النطق مع أنه سليم، وأنه عجز عن النطق مع الناس لا مع الله، وهذا الشيء غريب، يعني إنسان يتكلم يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لم تأته آفة ولا علة في لسانه، ثم لا يستطيع أن يكلم الناس، هذه آية.

قال تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا}.

أمره الله تعالى بأن يذكر ربَّه كثيرًا؛ لأنه بذكر الله تطمئن القلوب ويزداد الإيمان ويستنير القلب، فلهذا أمره الله أن يذكر ربه كثيرًا، وفائدة الأمر بالذكر كثيرًا أن الله لما أخبره بأنه سيمنعه من مكالمة الناس، بشَّره بأنه لن يَمْتنع من ذكر الله الذي هو أجل وأشرف من مخاطبة الناس وكلامهم. فأراد الله تعالى أن يسري عنه وأن يذهب عنه ما قد يقع في قلبه، فقال له: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا}، وهنا لم يقل له: وإنك ستذكر ربك، بل قال: واذكر ربك، فأمره بذكر الله ليكون ذكره لله تعالى في حال امتناع مكالمة الناس عبادة خاصة مأمورًا بها.

وقوله: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا} هل (كثيرًا) صفة لزمن محذوف، أي زمانًا كثيرًا، أو لمصدر محذوف أي ذكرًا كثيرًا؟


(١) رواه البخاري، كتاب الطلاق، باب الإشارة في الطلاق والأمور، رقم (٥٢٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>