للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على العناية بها، وأنه ينبغي إشهارها وإظهارها حتى تتبين وتتضح للناس، وإنما ذكر الله قصة زكريا ومريم هنا وعيسى فيما بعد؛ لأنها نزلت في وفد نجران الذين قدموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم من النصارى، فأراد الله أن يبيِّن لنبيه - صلى الله عليه وسلم - قصة المسيح ومن حوله كاملة، حتى يتبين له الأمر تمامًا، فإذا احتاج إلى محاجة النصارى كان عنده علم أفضل مما عندهم.

{وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ}.

الملائكة: المراد بهم الجنس, إذ ليس المراد كل الملائكة بل واحد منهم، وهو في الغالب جبريل.

{يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ}.

ونداؤها باسمها نوع من التكريم، إذ لم يقل: يا هذه باسم الإشارة، بل أتى باسمها -الاسم العَلَم - تكريمًا لها.

{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ} أي اختارك, وذلك لأن "اصطفى" أصلها "اصتفى" بالتاء، لكن لعلة تصريفية قلبت التاء طاءً، وهي مأخوذة من الصفوة، أي جعلك من صفوة الخلق، واصطفاؤه إياها سبحانه وتعالى من عدة وجوه:

منها: أنه تقبلها بقبول حسن حين قالت أمها: {إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا} [آل عمران: ٣٥] , مع أن المعروف عندهم أنه لا يخدم المساجد إلا الرجال، لكن هي قبلت. ومنه أي مِن اصطفائه لها أنه أنبتها نباتًا حسنًا، وقد سبق الكلام على معنى الكلمتين، وأنهما تتضمنان التربيتين الروحية والجسدية. ومن اصطفائه لها أيضًا أن الله تعالى اختار أن تكون عند نبي من الأنبياء، حتى تتربى في بيت نبوة.

<<  <  ج: ص:  >  >>