وقوله:{وَطَهَّرَكِ} الظاهر أنه طهرها من الأرجاس المعنوية، وأنها بالنسبة للأرجاس الحسية كالبول والغائط والحيض كغيرها من النساء، لكنه طهرها من الأرجاس المعنوية، فبرأها الله تعالى مما رماها به اليهود، وكذلك طهرها من سفاسف الأخلاق حتى كانت دائمًا في عبادة الله سبحانه وتعالى كما سيتبين إن شاء الله.
ثم قال:{وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ}:
الواو حرف عطف، {وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} أي: ميَّزك من بينهن، فالاصطفاء الأول اصطفاء عام، وهذا اصطفاء خاص بالنساء، اصطفاها الله تعالى من بين سائر النساء حيث جعلها من النساء الكمَّل، وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن مريم عليها الصلاة والسلام خير نساء البشر، هي وخديجة بنت خويلد وآسيا امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام (١).
فهي من النساء الكمَّل رضي الله عنها، ولها قال:{وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} وهل المراد نساء العالمين في زمنها؟ لأن النساء اللاتي في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا شك أنهن في أمة هي خير الأمم، أو المراد العموم؟ فيه قولان للعلماء، منهم من قال: إنه خاص بنساء زمانها، كما ذكر الله عن بني إسرائيل أنه فضلهم على العالمين، فقال:{يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}[البقرة: ٤٧]، وهذه الأمة أفضل.
(١) رواه البخاري، كتاب المناقب، باب فضل عائشة رضي الله عنها، رقم (٣٧٦٩). ورواه مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل خديجة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، رقم (٢٤٣١).