للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: ٥٩] , فلهذا صح أن يطلق عليه الكلمة، وفي هذه الآية إشكال آخر إذا قلنا إن الكلمة تعني المبشَّر به، فما معنى (منه) , فإن (مِنْ) لها معان منها التبعيض، كما قال ابن مالك رحمه الله في الخلاصة.

بَعِّض وبيِّن وابتدأ في الأمكنة ... بمن وقد تأتي لبدء الأزمنة

الشاهد قوله: (بَعِّض) فإن مِنْ تفيد التبعيض، فهل معنى ذلك أن عيسى بعض من الله كما قالت النصارى، الجواب: لا، ليس بعضًا من الله؛ لأن الله واحد أحد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، ولا يتبع أحد هذه الآية ويدعي البعضية إلا من في قلبه زيغ، {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آل عمران: ٧]، والنصراني كما اتبع المتشابه فى هذه الآية، اتبع المتشابه في قوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩] قال: هذا كلام الله يقول: {إِنَّا}، و {إِنَّا} تفيد الجمع، فاتبع المتشابه، انتصارًا لرأيه الفاسد، ولا يخفى على كل ذي لب أن المراد بقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩] وما أشبهها التعظيم لا التعدد، كذلك هنا {بِكَلِمَةٍ مِنْهُ}: لا يقتضي أن يكون عيسى بعضًا من الله عزّ وجل؛ لأنَّك إن ادعيت أنه بعض من الله، فلتدَّع أنه كلمة الله، ومعلوم أنه لا أحد يدعي أن عيسى كلمة، بل هو بشر له جسم وروح يأكل ويشرب، وهل الكلمة كذلك؟ ! لا. إذن فيتعين أن تكون (مِنْ) إما ابتدائية وإما بيانية؛ يعني بكلمة صادرة من الله عزّ وجل بأن قال: كن فكان، نظير هذه الآية قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية: ١٣] هل يدعي أحد أن ما في السموات وما في

<<  <  ج: ص:  >  >>