للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العادة التي أجرى الله سبحانه وتعالى البشر عليها أن لا يتكلم أحد إلا في سن معين، أما في المهد فلم يتكلم إلا ثلاثة، منهم المسيح عيسى ابن مريم، وتكلم بكلام من أبلغ الكلام لما جاءت به قومها تحمله: {قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (٢٧) يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٢٩) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (٣١) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (٣٢) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} [مريم: ٢٧ - ٣٣]، كلام من أفصح الكلام وأعظمه، وهو في المهد، وهذا من آيات الله عزّ وجل الدالة على قدرته، ولهذا كانت آيات عيسى كلها تدور حول هذا الأمر حول خوارق العادات في الأمور الكونية؛ فهو نفسه آية خُلِقَ بلا أب، وكلم الناس في المهد، وهذا من الآيات، يصنع من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرًا، ويبرئ الأكمه والأبرص ولا أحد يبرئهما من الأطباء، ويحيي الموتى ويخرجهم من القبور، قال أهل العلم: لأنه بعث في زمن ترقَّى فيه الطب ترقيًا عظيمًا، فجاء بآيات من جنس الآيات التي فيها إعجازهم، ومن جنس الأعمال التي يعملونها؛ ليكون ذلك أبلغ في الإعجاز، كما جاء موسى عليه الصلاة والسلام بالعصا واليد التي تبطل سحر السحرة، وكان السحر في وقته قد زاد وانتشر، وكما أتى محمد - صلى الله عليه وسلم - بكلام هو أبلغ الكلام وأفصحه لانتشار الفصاحة في زمنه وعهده، حتى يعجز هؤلاء البلغاء ويتبين أنه ليس من كلام البشر.

<<  <  ج: ص:  >  >>