(أنبئكم): أي أخبركم بما تأكلونه اليوم وما تدخرونه للغد في بيوتكم من غير أن يأتي أحد يخبره بذلك، وهذا فيه شيء من علم الغيب، فأخبرهم أن من جملة آياته أنه يخبر الإنسان يقول: أكلت اليوم كذا وكذا وكذا، وادخرت لغدٍ أو بعد غدٍ كذا وكذا، مع أنه لم يبعث أحدًا يطَّلع على ما في البيت، وهذا لا يكون إلا بوحي من الله، فإذا لم يكن هناك بشر يطلعه على ما في البيوت، فإنه يكون من وحي الله. وقد يكون بواسطة الجن، فإن الجن ربما تخدم الإنس فتذهب إلى الأمكنة البعيدة أو تتسور الجدران وتخبر بما في البيوت، لكن الجن الذي على هذا الوصف لا يجوز الاستمتاع به أو الاتصال به لماذا؟ لأن إطلاعه على أحوال الناس ظلم وعدوان، ولا يجوز للإنسان أن يستعين بظالم على ظلمه، ولهذا يمتنع هذا التقدير في حقِّ عيسى عليه الصلاة والسلام، يعني لو قال قائل: إن الذين يستعينون بالجن ربما يطلعون على ما يؤكل ويدخر في البيوت، قلنا: لكن هذا لا يرد بالنسبة إلى عيسى، لأن الاستمتاع بالجن على هذا الوجه محرم لما فيه من العدوان والظلم، وعيسى لا يمكن أن يفعل هذا، فتبين أنه يأتيه عن طريق الوحي، والحكمة من إخبارهم بهذا هي:
١ - إطلاعهم على أنه عليه الصلاة والسلام يأتيه الوحي من الله في أمور خاصة في البيوت.
٢ - تحذيرهم -والله أعلم- من أن يأكلوا شيئًا محرمًا عليهم، ولهذا سيأتي أنه قال لهم:{وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ}[آل عمران: ٥٠]، لأنهم إذا كانوا يعلمون أنه يعلم بما يأكلون وما