أي: إن في ذلك المشار إليه ما سبق من عدة أمور قوله: {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ}، هذه ثلاث آيات كل آية تدل على صدق عيسى عليه الصلاة والسلام، وأنه رسول الله حقَّا؛ لأن مثل هذا لا يستطيعه البشر، وآيات الأنبياء التي جاءت هى علامات على صدقهم لا يستطيع أن يأتي بمثلها البشر؛ لأن الآية لو أمكن للبشر أن يأتوا بمثلها لم تكن آية، إذ إن كل إنسان يستطيع أن يفعل مثل هذا.
وقوله:{إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}. يعنى أنها آية بهذا القيد؛ أي إن كنتم مؤمنين، وأما غير المؤمن فإنه لا ينتفع بالآيات ولا تكون الآية آية له، قال الله تعالى:{وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ}[يونس: ١٠١]، لأن قلوبهم قاسية مطبوع عليها -والعياذ بالله- لا يصل إليها الخير، ولا تلين من أجل العقوبات والنذر؛ لأنها قاسية، فالمؤمن هو الذى ينتفع بالآيات، بل إن غير المؤمن يرى أن هذه الآيات العظيمة أساطير الأولين {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}[القلم: ١٥]، وذلك بسبب ما كان على قلبه من ظلمات المعاصي والعياذ بالله؛ لقوله:{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[المطففين: ١٤].
والإيمان سبق لنا معناه كثيرًا بأنه التصديق المستلزم للقبول والإذعان، وليس مجرد التصديق، ودليل ذلك أنه لا يتعدى بما