المراد المستقبل لقوله:"وما خلفهم"، وفي هذه الآية:{وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ}، أي: لما سبقني من التوراة. وتصديقه للتوراة له وجهان:
الوجه الأول: أنه يقرر صدقها ويقول: إنها كتاب حق.
والوجه الثاني: أنه يصدق ما أخبرت به، فإذا كانت أخبرت به ثم بعث كان مصدقًا لما فيها.
وقوله:{مِنَ التَّوْرَاةِ}، هي الكتاب الذي أنزله الله على موسى عليه الصلاة والسلام، وهي أصل الكتب المنزلة على بني إسرائيل وأعظمها، بل هي أعظم الكتب فيما نعلم بعد القرآن.
{وَلِأُحِلَّ لَكُمْ}.
أي: وجئتكم أيضًا لأحل لكم بعض الذي حرم عليكم. وقوله:{وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ}، ولم يقل:(كل) والمحرم عليهم ذكره الله في قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ}[الأنعام: ١٤٦]، وقال تعالى:{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ}[النساء: ١٦٠]، فلما حرمت عليهم هذه الطيبات لظلمهم وعدوانهم، وبعث الله عيسى - صلى الله عليه وسلم - أحل لهم بعض ما حرم عليهم، ولم يُذكر في القرآن بيان هذا البعض فيكون باقيًا على إطلاقه، ولو كان لنا مصلحة في تعيين ذلك لبيَّنه الله.
وقوله:{بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ}، الفعل هنا مبني للمجهول، ولكن فاعله معلوم وهو الله عزّ وجل كما قال تعالى:{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ}[الأنعام: ١٤٦].