للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ}، كرَّر هذا مرة أخرى بعد قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ} [آل عمران: ٤٩] , تقتصر على تصديقه لما بين يديه من التوراة وعلى إحلاله بعض الذي حرم عليهم، وحينئذٍ لا يكون في الآية تكرار، وإما أن يقال: إن قوله: {وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ}، يشمل كل ما جاء به من الآيات، ويكون هذا من باب التأكيد وإقامة الحجة عليهم، فكرر مجيئه بالآيات احتجاجًا عليهم بما كذبوا.

قال: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ}.

(اتقوا الله): يعني اتخذوا وقاية من عذابه؛ لأن التقوى مأخوذة من الوقاية، فبماذا تكون الوقاية من عذابه؟ تكون بفعل أوامره واجتناب نواهيه.

وهذا هو المعني الشامل للتقوى عند الإطلاق، وإذا قرنت التقوى بالبرِّ صار المراد بها اجتناب المحارم، مثل قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢]، وقد عرَّف أهل العلم التقوى بعدة تعريفات؛ لكن يجمعها ما ذكرناه من أنها اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامراه واجتناب نواهيه.

قال: {وَأَطِيعُونِ} أي: وأطيعونى فيما أمرتكم به وفيما نهيتكم عنه، وطاعته من التقوى بلا شك لكن نصَّ عليها لأنها تقوى خاصة فيما جاء به عيسى؛ لأن التقوى يؤمر بها كل إنسان، فإذا قيل: (أطيعون) صارت تقوى خاصة في طاعة هذا الرسول الذي بعث إلى قومه، والطاعة قال العلماء فى تفسيرها: إنها موافقة الأمر تجنبًا للنهي وفعلًا للمأمور، فمن تجنب النهي ناويًا بذلك امتثال الأمر فهو مطيع، ومن فعل الأمر ناويًا بذلك امتثال الأمر أيضًا فهو مطيع، أما من ترك النهي أو بعبارة أصح المنهي عنه عجزًا عنه،

<<  <  ج: ص:  >  >>