للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمَاكِرِينَ}، يعني أقواهم في المكر وأشدهم وأعلمهم بالأسباب التي تحيط بأعدائه.

فإذا قال قائل: ما الذي دلنا على أن الضمير في قوله: (مكروا) يعود على الذين كفروا بعيسى؟

فالجواب على هذا سهل؛ لأن قوله: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} لا يمكن أن يصدر من قوم قالوا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: ٥٢]، وقالوا: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ} [آل عمران: ٥٣]، لا يمكن هذا بل لا يصدر إلا من قوم كفروا، وهو قوله: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ} [آل عمران: ٥٢].

فإن قيل: ما هذا المكر الذي مكروه؟ .

فالجواب على هذا: أنهم مكروا بعيسى حيث تمالأوا على قتله فأنجاه الله منهم ومكر الله بهم، فجعل شبهه في رجل، إما منهم من الذين جاءوا لقتله، وإما من أصحاب عيسى، ألقى الله شبهه على واحدٍ منهم فقتل. المهم أن هؤلاء تمالأوا على القتل وجاءوا إلى عيسى عليه الصلاة والسلام فدخلوا عليه ولم يشعروه أنهم يريدون قتله لئلا يستنجد بأحدٍ أو يدافع عن نفسه، وما أشبه ذلك، ولكن الله عزّ وجل ألقى شبهه على واحد منهم أو على واحد من أصحابه الحواريين، في هذا قولان للمفسرين:

القول الأول: منهم من قال: إن الله ألقى شبهه على واحد منهم وهو زعيمهم، جعل الله شبه عيسى في هذا الرجل، فلما أرادوا أن يقتلوه قال: أنا صاحبكم، قالوا: كذبت لست صاحبنا بل أنت عيسى فقتلوه وصلبوه، وهذا بلا شك مكر عظيم أعظم من مكرهم؛ لأن هذا الرجل الذي جاء متزعمًا هؤلاء القوم ليقتل

<<  <  ج: ص:  >  >>