للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والقراءة الثانية: تقتضي أن هذا المتشابه يعلم تأويله الله والراسخون في العلم.

فيكون ظاهر القولين التعارض، ولكن الصحيح أنه لا تعارض بينهما، وأن هذا الخلاف مبني على الاختلاف في معنى التأويل في قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ}، فإن كان المراد بالتأويل التفسير فقراءة الوصل أولى، لأن الراسخين في العلم يعلمون تفسير القرآن المتشابه، ولا يخفى عليهم؛ لرسوخهم في العلم، وبلوغهم عمقه؛ لأن الراسخ في الشيء هو الثابت فيه المتمكن منه، فهم لتمكنهم وثبوت أقدامهم في العلم وتعمقهم فيه يعلمون ما يخفى على غيرهم.

أما إذا جعلنا التأويل بمعنى العاقبة والغاية المجهولة، فالوقف على {إِلَّا اللَّهُ} أولى؛ لأن عاقبة هذا المتشابه وما يؤول إليه أمره مجهول لكل الخلق.

والتأويل يكون بمعنى التفسير، وبمعنى العاقبة المجهولة التي لا يعلمها إلا الله، وكلا المعنيين موجود في القرآن، فمن الأول: قول أحد صاحبي السجن ليوسف عليه الصلة والسلام: {إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: ٣٦].

أي: بتفسير هذه الرؤية ما معناها؟ ففسرها، ومن ذلك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - في ابن عباس: "اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل" (١) أي تفسير الكلام ومعرفة معناه.


(١) أخرجه أحمد في المسند (١/ ٢٦٦) بهذا اللفظ، وقال أحمد شاكر في تحقيق المسند (٢٣٩٧): إسناده صحيح اهـ. =

<<  <  ج: ص:  >  >>