للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان الجزاء أشد، ولهذا قال: {فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا}.

٥ - أن العذاب -عذاب الكافرين- يكون في الدنيا ويكون في الآخرة، فأما عذاب الدنيا فبالأسر والقتل والزلازل والفيضانات وما أشبه ذلك، قال الله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} [التوبة: ١٤]، وهذا يكون بالقتل والأسر، وأما العذاب بالزلازل وشبهها فكقوله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (١٠) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الدخان: ١٠، ١١]، هذا عذاب من الله عزّ وجل، والأول عذاب بأيدي المؤمنين.

٦ - أن الكفار لا ناصر لهم من عذاب الله، لا أحد يمنعهم؛ لقوله: {وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}، أما في الآخرة فظاهر؛ لأن الشفاعة لا تنفع فيهم؛ لقوله تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: ٢٨]، وأما في الدنيا فكذلك لأن هؤلاء الكفار إذا عذبوا بأيدي المؤمنين فالمقاتلة منهم يقتلون، والنساء والذرية يسبون، والأموال والأراضي تغنم، وهذا لا ناصر لهم فيه.

فإذا قال قائل: أليس الإمام يخير في الأسرى بين أمور أربعة: إما القتل أو الفداء بمال أو بأسير مسلم، أو بالاسترقاق يجعله رقيقًا يباع ويشترى، أو بالمنّ مجانًا، ولا إشكال في الأشياء الثلاثة الأولى، وإنما الإشكال في الأخير وهو المن وهذا ليس بعذاب.

فالجواب على ذلك نقول: إنه لا يجوز للإمام أن يختار واحدة من هذه الأربع إلا حيث يرى للمسلمين فيها مصلحة. فالتخيير هنا تخيير مصلحة وليس تخيير تشهٍ واختيار، وإذا كان للمسلمين مصلحة فلابد أن يكون هذا عذابًا على الكافرين، فلأن

<<  <  ج: ص:  >  >>