للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٤ - ومن فوائد الآية مع التي قبلها: التنوع في الأسلوب وهو الانتقال من ضمير التكلم إلى ضمير الغيبة {فَأُعَذِّبُهُمْ} وهنا قال: {فَيُوَفِّيهِمْ} فهل هناك فرق من حيث المعنى؟ .

الجواب: نعم هناك فرق من حيث المعنى، أما اللفظ فظاهر، ففيه التفات من ضمير التكلم إلى ضمير الغيبة، لكن نريد الفرق في المعنى.

الفرق في المعنى أن العذاب عقوبة تستدعي سلطة وقهرًا وعزة، فكان الأنسب التعبير بـ (أُعذِّب) الدالة على قوة السلطان، أما هذه فكأن الله سبحانه وتعالى للتودد مع هؤلاء وبيان فضلهم قال: (فيوفيهم أجورهم) ولم يسند الإيفاء إلى نفسه ليعطيهم شيئًا من الشكر على عملهم؛ لأن هناك فرقًا بين أن تخاطب الإنسان بالتعبير عن فعلك به بضمير التكلم وأن تعبر بضمير الغيبة؛ لأن المواجهة أشد من الغيبة، وتأمل قوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (٢) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} [عبس: ١ - ٣]، فقال: (عبس) ولم يقل: (عبست) وقال: (وما يدريك) ولم يقل: (وما أدراه) أو (وما يدريه) فهذه -والله أعلم- الحكمة من أنه جاء التعبير بالعذاب بالفعل مسندًا إلى ضمير المتكلم بخلافه الجزاء، ويدل لهذا الاعتبار قوله تعالى في سورة الرحمن: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن: ٦٠]، فجعل فعلهم إحسانًا يشكرون عليه ويحسن إليهم مع أن الإحسان كله من الله، فإن التوفيق للعمل الصالح من إحسان الله إلى العبد، لكن هذا من كمال رحمة الله عزّ وجل وثوابه وجزائه، قال تعالى في سورة الإنسان: {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا} [الإنسان: ٢٢]، فصار في تغيير

<<  <  ج: ص:  >  >>