للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شارك الله أو فقد جعل نفسه شريكًا مع الله في هذا الحكم، ومن شرع للناس قوانين مخالفة لشرعه فقد جعل نفسه شريكًا مع الله، واتخذ لنفسه منصبًا لا يستحقه؛ لأن الذي يشرع ويحكم هو الله عزّ وجل: {وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ}، لا سواه، {الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، ويتفرع علي هذا أيضًا أن واجبنا نحو أحكام الله الكونية والشرعية التسليم والرضا والقناعة وأن لا نطلب سواها؛ لأننا نعلم أنها مبنية علي الحكمة، ولهذا كان السلف الصالح رضي الله عنهم بل كل مؤمن إذا قضي الله ورسوله أمرًا لم يكن لهم الخيرة من أمرهم، حتى إنهم يجيبون إذا سئلوا عن الحكمة بقال الله وقال رسوله، عائشة رضي الله عنها لما سألتها المرأة: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة (١)، والمؤمن حقًّا، والعابد حقًّا هو الذي يقتنع بما لا يعرف حكمته كما يقتنع بما يعرف حكمته، هذا هو المؤمن حقًّا، أما الذي لا يقتنع بحكم الله إلا إذا عرف حكمته فهو في الحقيقة ليس عابدًا لله علي وجه الكمال، بل هو عابد لهواه، إن تبينت له الحكمة اقتنع، وإن لم تتبين لم يقتنع، ولهذا نري أن في إيجاب رمي الجمرات -وهي الحصي- في مكان معين نري أن فيها مع إقامة ذكر الله عزّ وجل الذي نصَّ عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - تمام العبودية وكمالها؛ لأن كون الإنسان يحمل حصي يرميها في مكان معين تعبدًا لله هو من كمال العبودية، أما كون الإنسان -مثلًا- يصلي أو يتجنب الزني خوفًا من الله،


(١) رواه مسلم، كتاب الحيض، باب وجوب قضاء الصوم علي الحائض دون الصلاة، رقم (٣٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>