للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - أنه لا ينبغي إهمال العقل في الاستدلال، كما لا ينبغي الاعتماد عليه وترك النص. فالناس في الاستدلال بالعقل طرفان ووسط: طرف غَلا فيه حتى قدَّمه على السمع، وذلك بالنسبة للفقهاء من أصحاب الرأي والقياسيين الذين يعتمدون على الرأي وإن خالف النص .. وفي باب العقائد جميع أهل البدع يعتمدون علي العقل ويدعون السمع. مع أن العقل الذي يعتمدون عليه ليس إلا شبهات، وليس براهين ودلالات. لكنهم ينظرون أن العقل يقتضي كذا فيثبتونه، ويقتضي نفي كذا فينفونه، ولا يرجعون في هذا إلي السمع، ومن ذلك الأشاعرة والمعتزلة وغيرهم. كل من نفي صفة أثبتها الله لنفسه بشبهة عقلية فإنه داخل فيمن يغالي في الاستدلال بالعقل ..

الطرف الثاني: من أنكر الاعتماد علي العقل بالكلية، وقال: ليس للعقل مدخل في إثبات أي حكم أو أي خبر. فأنكروا القياس. وهذا مثل أهل الظاهر، أنكروا نهائيًا، وقالوا: لا يمكن أن نرجع للعقل في شيء ..

ومن الناس من هم وسط: رجعوا إلى العقل فيما لا يخالف الشرع؛ لأن العقل إذا لم يخالف الشرع فإن الله تعالى يحيل عليه في مسائل كثيرة مثل: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: ٤٤]، ومثل هذه الآية: {وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}، واستدلال الله تعالى على إحياء الموتي بإحياء الأرض بعد موتها استدلال عقلي حسي، فهو حسي لأنه مشاهد، وهو عقلي لأنه يستدل به علي نظيره الذي لا يخالفه تمامًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>