للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالحاصل أن في هذه الآية اعتبار العقل دليلًا؛ ولكن بشرط أن لا يخالف الشرع، فإن خالف الشرع فالأصح أن نقول: إنه ليس بعقل؛ لأن صحيح المنقول لا يعارض صريح المعقول أبدًا. لكن إذا ظن أن العقل يخالفه فإما أن تكون لا مخالفة، وإما أن يكون السمع غير ثابت، وإما أن يكون العقل غير صحيح، ملوث بالشبهات والشهوات.

٥ - إثبات أن التوراة والإنجيل منزلة من عند الله؛ لقوله: {وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ}، فإن قال قائل: كيف تستدلون بهذه الآية علي أن التوراة والإنجيل منزل من عند الله؟ مع أن الفعل هنا {وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ}، يعني كيف يستقيم الاستدلال بهذه الآية علي أن التوراة والإنجيل نازلة من عند الله مع أن الفعل مبني للمجهول؟ .

الجواب: أن القرآن يفسر بعضه بعضًا، وفي هذه السورة نفسها، وفي أولها {وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} [آل عمران: ٣] فالمنزل للتوراة والإنجيل هو الله، وحينئذٍ نقول: بني الفعل للمجهول للعلم بالمنزل وهو الله، وهذا نظير قوله تعالى: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: ٢٨] الخالق هو الله عزّ وجل لكن حذف للعلم به، ولكن لما كان الضعف صفة نقص بني الفعل هنا للمجهول كما بني للمجهول في قوله: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن: ١٠] الشر لم يضيفوه إلي الله مباشرة قال: {أَشَرٌّ أُرِيدَ}، والرشد أضافوه إلي الله مباشرة {أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا}.

٦ - إثبات علو الله؛ لأن النزول لا يكون إلا من أعلي.

<<  <  ج: ص:  >  >>