للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

البشرة ليعلم الآدمي أنه مفتقر إلى اللباس الحسي، فينتقل من ذلك إلى العلم بأنه مفتقر إلى اللباس المعنوي وهو التقوى. وأنه بحاجة إلى أن يعمل الأسباب التي تستره معنى كما هو يعمل الأسباب التي تستره حسًّا، وهذا من حكمة الله عزّ وجل. يقول: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ} أي واحد من البشر، أي إنسان، أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة {أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ} أي يعطيه إياه إيتاءً شرعيًا، وكذلك إيتاءً قدريًا.

{وَالْحُكْمَ} الحكم أي بما أوحي من الكتاب، كما قال الله تعالى للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم -: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: ٤٩].

{وَالنُّبُوَّةَ} يعني الإخبار بالوحي، وإنما قال: "والنبوة" مع قوله: {أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ}، قال ذلك لأنه قد يطلق إيتاء الكتاب على من أرسل إليهم به، لا من أرسل به، كما في قوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة: ١٤٦]، وقوله: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} [البقرة: ١٢١]، فالذين أوتوا الكتاب هنا ليسوا أنبياء. إذن لا يلزم ممن أوتي الكتاب أن يكون نبيًّا، ولهذا قال: {وَالنُّبُوَّةَ} لئلا يتوهم واهم أن الذين أوتوا الكتاب هم الذين أرسل إليهم بالكتاب، والمراد بالذين أوتوا الكتاب هنا الذي أرسل بالكتاب لا الذي أرسل إليهم به، بل الذي أرسل بالكتاب إلى غيره.

وقوله: {وَالنُّبُوَّةَ} النبوة بتشديد الواو: إما أنها من النَّبْوَة وهي الارتفاع، وعلى هذا فتكون الواو أصلية؛ لأن رتبة النبي أعلى طبقات الخلق، قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>