للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أُخذ على جميع الأنبياء أن يؤمنوا به، وأن ينصروه، وما أخذ على المتبوع مأخوذ على التابع؛ يعني ما أخذ على الأنبياء مأخوذ على أتباعهم أيضًا. فإذا كان واجبًا على الأنبياء أن يؤمنوا به وينصروه كان واجبًا على أتباعهم أن يؤمنوا به وينصروه. ولهذا لما رأى الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع عمر بن الخطاب شيئًا من التوراة غضب وقال: "ألم آت بها بيضاء نقية؟ لو كان أخي موسى حيًّا ما وسعه إلا اتباعي" (١). كيف تأتي بالتوراة؟ القرآن فيه غنى عن كل كتاب، كل ما في الدنيا من الكتب فالنافع منها موجود في القرآن لا حاجة إليها. لاسيما وأنها الآن ليست من الكتب المنزلة من السماء بل فيها من التحريف والتبديل والإخفاء ما الله به عليم.

{فَمَنْ تَوَلَّى} يعني من أُمَمِ هؤلاء الأنبياء، ولا ترد هذه الشرطية على الأنبياء؛ لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام شهدوا على أنفسهم وشهد الله معهم، لكن إنما ترد هذه الشرطية على أتباعهم، يعني: فمن تولى من أتباع الأنبياء بعد ما ذكر من هذا الميثاق العظيم فهو فاسق.

{فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} {هُمُ} ضمير فصل. والفاسقون هم الذين خرجوا عن مستوى العدل، وعن مستوى الرجولة، وعن مستوى الإيمان. خرجوا عن الطاعة، تولوا وأعرضوا، هؤلاء هم الفاسقون. والمراد بالفسق هنا فسق الكفر؛ لأن الفسق يطلق على فسق المعاصي وعلى فسق الكفر؛ فمن الأول قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: ٦]. هذا فسق


(١) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (٥/ ٣١٢)، باب من كره النظر في كتب أهل الكتاب، رقم (٢٦٤٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>