للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" (١)، والقلب هو هذا الجزء المستقر في الصدر، لقول الله تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: ٤٦]، وبهذا القلب يكون العقل؛ لقوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} [الحج: ٤٦]، وبناء على هذه الأدلة يتبين أن العقل في القلب وليس في الدماغ، والعلماء اختلفوا قديمًا وحديثًا، هل العقل في الدماغ أو العقل في القلب؟ والذي دلَّ عليه القرآن أنَّه في القلب، والقرآن كلام الخالق، والخالق عزَّ وَجَلَّ أعلم بما خلق. فالعقل بالقلب لكن عقل القلب هو عقل التصرف والتدبير، ليس عقل الإدراك والتصور، فإن عقل الإدراك والتصور يكون في المخ. فالمخ يتصور ويعقل، وهو بمنزلة المترجم للقلب يشرح ما يريد رفعه إلى القلب، ثم يرفعه إلى القلب، ثم يصدر القلب الأوامر، والذي يبلغ الأوامر الدماغ. ولهذا تنشط العضلات كلها بنشاط الدماغ، فصارت المسألة سلسلة، والذي يتصور ويدرك وفيه عقل الإدراك هو الدماغ، وأما عقل التصرف والتدبير والرشاد والفساد فهو عقل القلب.

وحينئذ يزول الإشكال، وتجتمع الأدلة الحسية والشرعية، فالعقل الإدراكي محله هو الدماغ، والعقل التصرفي الإرشادي الذي به الرشاد والفساد هو القلب.

يقول الله عزّ وَجَلَّ: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا} وإذا استقامت


(١) أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، رقم (٥٢). ومسلم، كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الحرام، رقم (٤٠٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>