للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القلوب ولم تمل، استقامت الجوارح عقيدةً وقولًا وعملًا.

وقوله: {بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا}: هذه الجملة لا يراد بها الافتخار، وإنَّما يراد بها التوسل بالنعم السابقة إلى النعم اللاحقة، فكأنهم يقولون: ربنا إنك مننت علينا بالهداية أولًا، فنسألك أن تمن علينا بثبوت هذه الهداية فلا تزغها، فيكون في هذا الدعاء ثناء على الله عزّ وَجَلَّ بالهداية السابقة، وأنه عزّ وَجَلَّ أهل للفضل والإنعام.

وقوله: {هَدَيْتَنَا}: هداية دلالة وتوفيق. فهداية الدلالة أن بيّن لهم الحق، كما في قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت: ١٧]. وكما في قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: ٥٢].

وهداية التوفيق أن وفَّقهم لسلوك الحق، فمن الناس من يحرم الهدايتين كالنصارى، فهم ضالون لم يعرفوا الحق، ولم يعملوا به. ومن الناس من يحرم الهداية الثانية، هداية التوفيق كاليهود؛ فاليهود علموا لكن لم يعملوا به. ومن الناس من يرزق الهدايتين كالمؤمنين الذين أنعم الله عليهم، فهم هدوا إلى الحق بالدلالة عليه، واهتدوا إلى الحق بالتوفيق.

وقوله تعالى: {وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً}:

(هب): بمعنى أعط، والهبة: هي العطاء بلا عوض، وكمالها بلا منة. والله سبحانه وتعالى له المنة علينا، كما قال تعالى: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} [الحجرات: ١٧]. والصيغة هنا للدعاء.

{وَهَبْ لَنَا}: يعني أعطنا {مِن لَّدُنْكَ} أي من عندك،

<<  <  ج: ص:  >  >>